مدرسة رمضان الحلقة السادسة

بسم الله الرحمان الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
أما بعد سوف سأواصل في هذه الحلقة السادسة بالحديث عن دروس رمضان والأخلاق التي نتحلى بها فيه ومن بين أهم الأخلاق خلق الرحمة على الرغم أنني كنت أود أن أكمل الحديث عن خلق التواضع لأني جمعت عنه أفكار أخرى لكن أترك الحديث عنه في حلقات أخرى و أفضل أن أكتب في هذه الحلقة عن خلق الرحمة لأن شهر رمضان هو شهر الرحمة ولأن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة لهذا يقول الله عز وجل في سورة الأنبياء الآية 107 : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "
فمن خلال الآية تبرز قيمة الرحمة و أن الله عز وجل بعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أجمعين رحمة لهذا ففي شهر رمضان يجب أن يتصف المسلم بالرحمة و على المسلمة أيضا أن تتصف بالرحمة .
فلقد أمر الله رسول الله أن يكون لينا و رحيما مع المؤمنين ولهذا يقول الله عز وجل في سورة الشعراء الآية 215 :
" واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين "
كما أن الله دائما في القرآن أكد لرسول الله على قيمة الرحمة و اللين لهذا يقول الله عز وجل في سورة آل عمران الآية 159 :
" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "
فمن خلال الآية يتضح أن القسوة وفظاظة الطبع صفة منبوذة وأن الرحمة صفة محمودة .
لهذا يجب أن نتجنب معاملة الناس بقسوة فشهر رمضان المعظم والمقدس شهر الرحمة و اللين ويعلمنا حقا درس الرحمة لأن الجوع الذي نشعر به في رمضان يدفعنا أن نشعر بجوع الآخرين فنرحمهم ولأن الصوم على الشهوات مثل شهوة البطن وشهوة الفرج تجعلنا ننسى أنفسنا و نتخلص من أنانينا و نسعى إلى التفكير في الآخرين وفي معاناتهم وآلامهم ولأن شهر رمضان يكثر فيه تراحم الناس فيخلق لين في القلوب ويصنع المحبة في أفئدة الناس فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أبصر النبى -صلى الله عليه وسلم- يقبّل الحسن ، فقال: "إن لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم "
وهذا الحديث متفق عليه وهو علم يقيني يجب العمل به ومعنى متفق عليه أي رواه البخاري و رواه أيضا مسلم والحديث يحث على الرحمة والمعاملة باللين للأطفال الصغار و الأبناء و الأحفاد ومع كل الناس علينا أن نكون لطفاء لأن الذي يرحم يرحمه الناس و الذي لا يرحم الناس فالناس لا يرحمونه لأن الجزاء من جنس العمل ولأن قلب الذي لا يكون رحيما قـلب فضيع و العياذ بالله فقد شبه الله عز وجل قلوب القساة بالحجارة التي لا تلين فقال في سورة البقرة
الآية 74 :
" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "
لهذا فخلق الرحمة مهم وشهر رمضان يوحي لنا بترك القسوة وبوجوب اللين
لأن من الممكن دخول النار بقسوة القلوب والجفاء حتى مع الحيوانات فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض"
لهذا الحذر من القسوة لأن رحمة البشر واجبة و رحمة الحيوانات واجبة وفيها ثواب عظيم و مغفرة و أجر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ». رواه البخاري.
ولفظ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا» رواه مسلم
فمن خلال الروايتين للحديث النبوي الشريف يتبين أن رحمة الحيوانات فيها مغفرة لهذا لايجب أن نتصف بالقسوة بل إن أهل الإيمان هم أهل الرحمة وفي شهر الرحمة يجب أن نفهم درس الرحمة وخلق الرحمة .
هذا ما وقفني الله في كتابته فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان ونسال الله الهداية والتوفيق فيما نكتب وإلى اللقاء إن شاء الله في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبراكاته واستودعكم الله أماناتكم ودينك وخواتيم أعمالكم و الرجاء تنبيهي إلى أي خطأ مهما كان نوعه إملائي أو ممن ناحية الفكرة أو الأسلوب و جزاكم الله خيرا مسبقا وأختم فأقول أللهم أرنا الحق حقا و أرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و أرزقنا إجتنابه .