عندما يتقدم الرجل لخطبة المرأة مباشرةً نقول لهُ اذهب وانظر إلى اصبع رجلها الأيسر , فإن موطن الجمال والفتنة يقع في ذلك الإصبع .
ولو قرأ القارئ أشعار الشعراء منذ القِدم لرأى أنَّهم يكتبون الشعر في اظفر يد المرأة وفي كوعها في اليد اليسرى, وذلك لأنه لم يتكلم أحد منهم عن الأجفان أو العيون أو الثغر المدجج بسلاحهِ الفتَّاك .
لم يقل أبداً قائلهم :
إن العيون التي في طرفها حور *** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
عذراً على هذه المقدمة , ولكن أحببت أن أبيِّن للفاضلات أن موطن الجمال هو الوجه , وأنَّ الحجاب يعني الغطاء , فنقول حجبت السحب الشمس , أي غطتها , فذلك يتضح لنا , وقوله تعالى { يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يعرفنَ فلا يؤذين } والمعرفة لا تكون إلا من الوجه , بمعنى آخر لا نقول نعرف الفتاة من حجم رأسها مثلاً أو من لون عباءتها إن كانت تلبس عباءة مخططة مثلاً أو مرقعة .
على كل حال , مسألة الحجاب الشرعي مسألة قطعية الثبوت لا مِراء فيها ولا جدال إلا لمن في قلبه مرض , ونحن مأمورين أن نسمع لله ولرسوله { وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم , ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا }
ولكن ماحال من استغل النقاب أو الحجاب بطريقة تجعلنا نقول يا ليتها خلعت الحجاب أو النقاب .
عندما نرى النقاب والعباءة الخليعة نقول نعم , هناك تبرج مقنن بأنَّه إسلامي , فكما يوجد مايوه إسلامي وأغاني إسلامية وتمثيل إسلامي , فهناك تبرج وفتنة ولكن بماركة إسلامية كما يسمونها !
والنقاب الشرعي المعروف شق في النقاب صغير لدرجة أنَّه يُخرج سواد العين فقط .
ونقابهم الذي نراه الآن المليء بالإسفاف والمسمى { تكفى طلبت لا تطيح } هذا النقاب الدال على تبرج صاحبته , هذا من أشد أنواع التبرج , فلو خلعنا نقابها وألبسناه لأقبح إمرأة في التاريخ لكانت فاتنة الزمان عبر كل العصور !
لنذهب إلى أي إدارة أثناء الدوام الرسمي ونرى بأمِّ أعيننا بعضاً منها , لا أعرف بصراحة أي جرأة تمتلكها تلك المقنعة بذلك النقاب السافر !
لا أريد أن أفصل بحال الجفن والرموش والعين , فتلك مشاهد لا أريد الخوض فيها .
.,. .,. .,. .,.
ولو تحدثنا عن عباءة الكتف لكان المقام أطول , فعباءة الكتف التي ما أنزل الله بها من سلطان والعباءة الضيقة التي تفصل الجسم هذه هي أدهى وأمر من البنطال وغبره ! ألم أقل لكم أنَّها مسجلة بماركة إسلامية !
.,. .,. .,. .,.
ولكن اسمحوا لي سأسترسل قليلاً إلى مقامٍ آخر , فتلك المناظر التي أراها في بعض الإدارات والأسواق لاتقل خطورة عن تواجد النساء والرجال في العمل لثمان أو لست ساعات .
فلو سردنا الوضع فيها لقال البعض عني أنتَ رجعي وأنتَ رجل لاتثق في أحد وتظن أنَّ المجتمع من أقصاه إلى أدناه يفكرون بهذه الطريقة الوضيعة , ولكنِّي لست أنا من يقول ولكنَّه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , أليس الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل { ماتركت فتنة أشد على الرجال من النساء } وأليس هو القائل { اتقوا الدنيا واتقوا النساء } فوضع الدنيا بما حوت في كفة ووضع النساء في الكفة الأخرى , وألم يقل { إذا خرجت المرأةُ من بيتها استشرفها الشيطان }.
أليس حريٌ بنا أن نقي أنفسنا إن كانت المسألة بهذه الخطورة !
أليس الحياء هو المثال الأجمل في المرأة فإن ذهب ذهبت معه, فأي حياءٍ يبقى لها وهي بين ظهراني رجال لست ساعات وتسأل هذا وتحادث هذا وتتجاذب أطراف الحديث مع هذا , وكل تلك الأمور من صميم العمل ولله در العمل !
ألسن بنات شعيب في سورة القصص كانا خير مثال للحياء والعفة !( وشعيب ليس النبي إنما رجل صالح اسمه شعيب ) ألسن جلسن من دون الرجال ينتظرن حتى ينتهى الرجال ليردن ماء مدين { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهمُ امرأتين تذودان , قال ما خطبكما , قالتا لا نسقي حتى يُصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير }
أليس الله عندما أراد وصف إحداهما التي أتت لموسى عليه السلام وصفها بأجمل ما فيها فقال { تمشي على استحياء } ولكنّ الآن الرجل هو الذي يمشي على استحياء بين النساء !
فحياء المرأة أمام ساعات طوال ومحادثات كثيرة بخصوص العمل لا تنتهي كفيل بأن يذهب شيئاً فشيئاً , فلا يستغني الرجل عن حياء أهله مقابل حفنة عفنة من المال , فليشتري الرجل عفاف أهله وحيائهم ويحفظهم فإن النساء سبب أول فتنة , وبها قتل الأخُ أخاه :
إنَّ الرجالَ الناظرينَ إلى النساء ** مثلُ الكلابِ تطوفُ باللحمانِ
إن تصن تلكَ اللحومَ أسودُها ** أكلت بلا عوضٍ ولا أثمانِ
لا تقبلنَّ من النساءِ مودة ** فقلوبهنَّ سريعة الميلانِ
لا تتركنَّ أحداً بأهلك خالياً ** فعلى النساءِ تقاتل الأخوانِ
المفاهيم اختلطت , فأصبحت العفة رجعية , وأصبح التبرج والسفور والدياثة تقدم :
الدين أصبح عندهم رجعية ** والكفرُ أصبحَ في الحياةِ تقدما .
فعلينا تعديل المفاهيم , فإذا لم يكن العفاف والحياء ما قلناه , فبالله عليكم أريد من يفهمني الحياء مالونه ماريحه ماطعمه !
نحن الآن في حرب مفاهيم ومصطلحات , فالأمور أصبحت تُسمى بغير اسمها , النقاب هذا الذي نراه والعين بادةٌ كأنَّها الصبح ليس نقاب , والعباء السافرة التي نراها تفصل الجسم كأنَّه عاري ليست عباءة, فتسمية الأمور على غير اسمها حيلة , والتحايل قبيح , ومضمون الحيلة وغايتها أقبح , ومن يقر ذلك الأمر فهو شاهدٌ عليه , ومن شهد على باطل كان لهُ كفل منه .