السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إليكم الجزء الثالث من موضوعنا تاريخ فلسطين
وفي هذا الجزء تطرقت إلى
التواجد الاسرائيلي في فلسطين
و عن خضوع فلسطين للحكم الفارسي والاغريقي وكذا الحكم الروماني
لم يكن وجود "بني إسرائيل" في
"فلسطين" إلا وجودًا عابرًا، فلم يكن لهم ارتباط أبدًا في يوم من الأيام بتلك الأرض، ولم يكونوا بها إلا لاجئين أو عابري
سبيل، وبرغم كلِّ المزاعم الصهيونية والدعايات الكاذبة
التي تزعم أن اليهود إنما يعودون إلى أرضهم القديمة، فإن حقائق التاريخ و الدين تشهد
أنه لم يكن لهم أبدًا أي حق في "فلسطين" على مرِّ الأزمان والعصور.
في نحو سنة 1200 قبل الميلاد ، حسب بعض الروايات التاريخية ، بدأت القبائل
العبرية بغزو المدن الكنعانية- مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس
أكيدا أن العبريين القدامى هم نفسهم بني إسرائيل- . وظل "بنو إسرائيل" يتقدمون إلى المدن فيحاصرونها
ويقتلون أهلها ويُحَرِّقُونَها بالنار، وتساقطت أمامهم المدن الحصينة الواحدة
تلو الأخرى،حسب الرواية التوراتية والتي لا يعتد بها المؤرخون كمرجع موثوق ، ولم
تمر سنة (1100) قبل الميلاد إلا وكان "بنو إسرائيل" قد استولوا
(على معظم مدن أرض"كنعان" (فلسطين
و بعد أن تمكنوا من السيطرة أسس بنو إسرائيل مملكتهم التي بلغت ذروة مجدها
في زمن داوود و سليمان
و لكن هذه الفترة الذهبية لم تدم طويلا إذ سرعان ما انقسمت هذه المملكة بعد
وفاة الملك سليمان إلى مملكتين ،مملكة الشمال " باسم إسرائيل و عاصمتها
السامرة ،و مملكة الجنوب باسم يهوذا و عاصمتها " أور شليم "
و بدأت مرحلة الضعف و الانهيار تنخر في هاتين المملكتين بفعل الحروب بينهما
،إلى أن تم تدمير الأولى على يد الآشوريين و الثانية على يد البابليين حيث تم سبي
بني إسرائيل و تم توطينهم في العراق.
فلسطين تحت الحكم الفارسي و الإغريقي و الروماني:
بعد حوالي سبعين عاما على السبي البابلي برزت على الساحة الدولية آنذاك قوة
عظمى وفق معايير ذلك العصر هي الإمبراطورية الفارسية الأخمينية التي نجحت في
القضاء على الحكم البابلي و توسعت ليمتد نفوذها من الهند شرقا إلى حدود مصر غربا و
كانت فلسطين الجغرافية ضمن نطاق هيمنتها
و قد سمح الفرس لمن يريد من المسبيين اليهود بالعودة إلى فلسطين و سمحت لهم
بممارسة عبادتهم الخاصة و بإقامة معبد لهم في القدس و لكن لم تمنحهم أي استقلال
سياسي
و ظلت فلسطين تحت سيطرة الحكم الفارسي أكثر من مائتي
عام، وكانت تلك المنطقة قد جذبت اهتمام ملوك الفرس الذين
حرصوا على أن تخضع لنفوذهم، واهتموا بإدارتها جيدًا؛ مما جعل هذه المنطقة تتمتع بفترة من الازدهار والرقي تحت الحكم الفارسي،
وتحظى بالعديد من الإصلاحات التي قاموا بها؛ فلم تقم ضدهم ثورات خلال حُكْمهم
الطويل في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، حتى اجتاحتها جيوش "الإسكندر
الأكبر المقدوني" في عهد "دارا بن بهمن بن إسفنديار بن بشتاس" بعد أن دام ملكه
أربع عشرة سنة.
كانت جيوش "الإسكندر" قد انحدرت إلى
"الشام" بعد استيلائها على "الأراضي" المصرية، وقامت باجتياح الأراضي السورية والفلسطينية في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل
الميلاد، في نحو سنة (333 قبل الميلاد)، وفتحت بلاد "فلسطين"
و"سوريا" أبوابها أمام جيوش "الإسكندر"، وعرضت عليه
مدينة "صور" أن تبقى على الحياد بين جيوشه وجيوش الفرس، فرضي "الإسكندر" بذلك؛ مما سمح لبعض المدن الشامية أن تحتفظ ببعض
الحكم الذاتي في عهد "الإسكندر"
وخلفائه، لكنها لم تستطع أن تبتعد عن التأثر بالحضارة الهلنسية، خصوصًا في مجال الهندسة والعمارة.
واستطاع "الإسكندر" في فترة صغيرة
هزيمة جيوش "دارا"- ملك "فارس"- في بلاد الجزيرة، وهدم ما كان بالبلاد من المدن والقلاع والحصون وبيوت النار، وأحرق كُتب فارس،
واستعمل على البلاد بعض قواد
"دارا"، ثم اتجه إلى ناحية "الصين" و"الهند"، وسيطر
على معظم تلك المناطق ثم رجع إلى
"العراق"، ومات في طريقه بشهرزور سنة (323 ق. م)، بعد أن دام ملكه أربع عشرة سنة.
ولما تُوفي "الإسكندر تنازع قادة جيوشه" فيما
بينهم، وخاصةً "البطالمة" و"السلوقيين" في كُلٍّ من "مصر" و"سوريا" و"فلسطين"، فأصبحت تلك البلاد مسرحًا للحروب
والمنازعات المستمرة،
وظلت مُدن "الشام" تتأرجح بين السيطرة
البطلمية والسلوقية، و كان ازدياد سرعة انتشار الحضارة
"الهلنسية" وقوتها من أبرز ما تركه "الإسكندر" ومِنْ بعده البطالمة والسلوقيون، وكانت هذه الحضارة هي نتيجة التداخل والتمازج بين
الثقافتين اليونانية والسامية، فكانت حضارة مركبة تتميز عن كلٍّ من الحضارة
"اليونانية" و"الهلينية"، وقد غلبت هذه الحضارة الجديدة على
"فلسطين"، وخاصةً في مجال العمارة والهندسة اليونانية.
كما تأسس في عهد "الإسكندر"
وحُكْم خلفائه عدد كبير من المدن اليونانية الجديدة، وانقلب كثير من المدن القديمة إلى مراكز ثقافية يونانية، وكانت كل مجموعة منها تتحالف
فيما بينها وتكون دويلات مستقلة، مثل تحالف المدن العشر أو مدن "بيلا"
(بيت جبرين) و"جرش" و"بطلمايس" (عكا) و"فيلادلفيا"
(عمَّان) و"سكيثوبوليس" (بيسان) و"نيابوليس" (نابلس).
ظلت "فلسطين" تحت حُكْم "الإسكندر" ومَنْ تولى بعده من "البطالمة"
و"السلوقيين" الذين اتخذوا من مدينة "أنطاكية" عاصمة لسوريا و"فلسطين"، وكان اليهود
في "بيت المقدس" يتمتعون بحرية الديانة، وتجلت في هذه
الفترة النـزعة الاستقلالية لدى بعض الجماعات المحلية، فقام اليهود بالثورة بزعامة "المكابيين" Maccabees، ويرى الصهاينة أن "المكابيين" بعثوا الروح العسكرية في الشعب اليهودي، وحولوه من شعب مستسلم إلى شعب من
الغزاة المقاتلين، وإن كان البعض يرى أن الأصل العبري هو "مكبي"، وأنها
اختصار بالحروف الأولى لآية جاءت في نشيد
انتصار "موسى" على فرعون تقول بالعبرية: "مي كموخا بئيليم يهوه"، أي: "من كمثلك بين الآلهة يارب"!.
وقد تأججت نار الثورة لدى اليهود في
أورشليم عندما قام الملك السلوقي "أنطيوخوس الرابع" نحو سنة (165 ق. م) بتدمير الهيكل، وأرغم اليهود على اعتناق الوثنية اليونانية،
فأشعل ذلك ثورة "المكابيين"، وأخذوا يُحاربون أنصار
الحضارة الهلنسية، سواء كانوا من اليهود أنفسهم أم من غير اليهود
مثل "الأدوميين" و"اليطوريين"