بسم الله الرحمان الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
أما بعد سأواصل في هذه الحلقة الحادية عشر بالحديث عن دروس رمضان والأخلاق التي نتحلى بها فيه هو خلق أداء الأمانة .
والقرآن الكريم حث على أداء الأمانة لأنها من الأخلاق الحميدة و السلوك الحسن فقال تعالى في سورة النساء الآية 58 :
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا "
ومن خلال الآية الكريمة يتضح جليا أن الأمانة خلق كريم نتعلمه من مدرسة رمضان لأن الصوم أمانة لأنه من الدين و الأمانة من الدين أيضا ولأن الصوم ركن عظيم من أركان الإسلام و أمانة علينا الحفاظ عليها كما علينا الحفاظ على الصوم بالإمتناع عن جميع مفسدات الصيام كالأكل و الشرب لأن الذي ينتهك حرمة الصيام بالإفطار بدون عذر شرعي خان الأمانة أمانة الدين و انسلخ من عقيدته السمحاء لأن المنافق هو من لا يصوم و لايؤدي الأمانة وقد روي عن النبي قال : آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا أؤتمن خان "رواه البخاري إذن في مدرسة رمضان الجليلة علينا وعي قيمة أداء الأمانة و التحلي بها طول حياتنا من المهد إلى اللحد وقد وصف أهل الإيمان بأنهم أهل الفلاح عندما يتحلون بأخلاق حميدة و يؤدون الأمانات فقال الله عز وجل في سورة المومنون من الآية 01 إلى الآية 8 :
قد أفلح المؤمنون 1 الذين هم في صلاتهم خاشعون 2 والذين هم عن اللغو معرضون 3 والذين هم للزكاة فاعلون 4 والذين هم لفروجهم حافظون 5 إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين 6 فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون 7 والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون 8
فمن خلال الآيات يتجلى أن المؤمنين الذين يريدون الفلاح عليهم بأداء الأمانة ورعاية الأمانة وعدم خيانة الأمانة الملقاة على عاتقهم وحفظ العهد .
يقول القرطبي في تفسيره 14/255 :" و الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال "
وقد صدق القرطبي فما كتب فالصوم أمانة و الصلاة أمانة و جسم الإنسان أمانة و الأبناء أمانة وكل ما يوضع تحت المسؤولية فهو أمانة ماديا كان أو معنويا .
لهذا إذا تخرجنا من مدرسة شهر رمضان المبارك الكريم العظيم علينا أداء الأمانة لأنها عبء ثقيل لذا يقول الله عز وجل في سورة الأحزاب الآية 72 :
" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً "
ومن خلال الآية يظهر عظم مسؤولية حمل الأمانة حيث رفضت الجبال و أبت معها السماوات و الأرض حملها و على المؤمن في شهر رمضان أن يؤدي أمانة الصوم و الصلاة وكل ما هو مسؤول عنه .
وما دمنا أهل الإسلام علينا أن نكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد اتصف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بخلق أداء الأمانة منذ صغره وعرف بين قومه بالصادق الأمين قبل البعثة فما بالك بعد أن بلغ بأمانة رسالة الإسلام العظيمة التي أداها الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم و رعاها حق رعايتها بكل صدق و أمانة و تفان .وحتى أن من كفار قريش من كان يأمن حفظ الأمانة عنده ويفضل وضعها كأمانة عند رسول الله و لا يضعها عند كافرمن عشيرته و لم ينفي عنه أعدائه أداء الأمانة وأنه لا يغدر و لا يخون كما جاء في حوار أبي سفيان وهرقل ، حيث قال هرقل : سَأَلْتُكَ : هَلْ يَغْدِرُ ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاتغدر "رواه البخاري
لهذا ممن خلال ما سبق علينا أن نعطي لأعدائنا نظرة إيجابية عن أنفسنا و أن نكون من الذين يؤدون الأمانات و لايغدرون و لايخونون وهكذا يكون خريجي مدرسة السنة النبوية الشريفة وتلاميذ مدرسة شهر رمضان شهر العبادة و الصوم بأن يتصفوا بخلق أداء الأمانة حتى يكن لهم الآخرين الآحترام و التقدير.
ولقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم حسن أداء الأمانة دليلا على إيمان العبد بالله وحسن خلقه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَ:لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ.
أخرجه أحمد 3/135(12410) الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7179 في صحيح الجامع .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ ، فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا : حِفْظُ أَمَانَةٍ ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ. أخرجه أحمد 2/177(6652) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 370.
ولقد كانت من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الوصية بالأمانة فقال : \" وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا - وَبَسَطَ يَدَيْهِ فَقَالَ - أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ - ثُمَّ قَالَ - لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ أَسْعَدُ مِنْ سَامِعٍ. أخرجه أحمد 5/72(20971) و\"الدرامي\" 2537 و\"أبو داود\" 2145 .
هذا ما وقفني الله في كتابته عن خلق أداء الأمانة بكل إختصار فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان ونسال الله الهداية والتوفيق فيما نكتب وإلى اللقاء إن شاء الله في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبراكاته واستودعكم الله أماناتكم ودينك وخواتيم أعمالكم و الرجاء تنبيهي إلى أي خطأ مهما كان نوعه إملائي سواء في الحديث أو القرآن أو ممن ناحية الفكرة أو الأسلوب و جزاكم الله خيرا مسبقا وأختم فأقول أللهم أرنا الحق حقا و أرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و أرزقنا إجتنابه .
السبت 26 يوليو 2014 - 7:28
